كلُّ قلوبُ الناس شرايينكَ
إلى محمود درويش"
نزيه حسون
قد يكون لبلاغة الصمت مهابة ووقارا أعظم أمام جلال صمتك البليغ
وقد يكون لصمتنا قداسة الصلاة، أمام صمتك الذي يتكلم بكل لغات الكون...وما جدوى حزمة حروف ننمقها حين تتلو الأرضُ والكواكب مراثيها؟؟؟ وترتل قلوبُ الناس كل الناس زفراتها...
و أي رثاء في الكون يمكن أن يصمد أمام دمعة ثكلى تذرفها فلسطين الجريحة على وجنة عريسها الأجمل وعاشقها السرمدي... وأي قصيدة لن تذبل حروفها حين ينهض الوطن ويلقي على جثمان محموده زهرة نرجس
وسبع سنابل خضراء لا تعرف الذبول
أمام رهبة رحيلك القاسي ترددت كثيراً أن أكتب عنك أيها المعطر بالقصائد والمعابد وطهر التراب... أيها المطر الفردوسي الذي تساقط على ثرى هذا الوطن شعرا... وترتيلا ... وأغان مبتلة بالروح والشجن...
ترددت كثيرا لان القصيدة الخالدة لا تُرثى ولان من ركب سفن المجاز إلى مرافئ الخلود لا يمكن أبدا أن نعده في عداد الراحلين...
ترددت أكثر أن اكتب عنك راحلاً وأنا أراك تنهض مع كل حرف أخطه ومن كل سطر اسكب فيه وجع القلب...حين تنسد الشرايين
ترددت كثيرا وأنا أراك شريان حياً يتدفق من أقصى هذا الوطن إلى أقصاه
يزرع الشعر والحب والنور في زمن العتمة والحقد والظلام، فأي شريان هذا الذي تفجر وأراد أن يتوقف نبضك عن الشعر والحب والنور فزادك بتفجره شعرا وحبا وبهاء
ويا أيها البهي
كل قلوب الناس شرايينك... فليسقطوا عنك هذا الرحيل
كل زهور الوطن تعطر حضورك الأبدي أيها الراحل إلى حضرة الأبد
كل عنادل الروابي المتماوجة من البروة حتى رام الله تهدل بقصائدك التي شكلت الخريطة الحقيقية لهذا الوطن
كل أطفال فلسطين عبر الأجيال القادمة سيهدون لأمهاتهم قصيدتك الخالدة احن إلى خبز أمي وسيرددون في مسامع الوطن سجل أنا عربي.
كل المدن التي عشقتها وعشقتكَ من حيفا إلى القاهرة ومن القاهرة إلى بيروت ومن بيروت إلى تونس ومن تونس إلى باريس ومن باريس إلى دمشق ومن دمشق إلى عمان ومن عمان إلى رام الله ومن رام الله إلى العشيقة الأبدية عروس فلسطين حيفا... فكيف يا محمود العربي لم تنهض من ركام الموت لتمسح دموع حيفا التي انهمرت حزنا على حرمانها من أن تحتضن جثمانك الحي....
ويا أيها الأبدي الذي علمنا أبجدية المعجزات... وواقعية الحلم والخروج من قيود الزمان والمكان أنت الذي عدت من الموت وكنت كما قلت:
"نطير وتطير كما لو كنت تسبح خفيفا شفيفا كأنك روحك خاليا من الماضي وخاويا من الحاضر مُفْرغًا من الزمن والعاطفة فلا أنت شئ ولا أنت لا شئ .لكنك ترى كما لم ترَ من قبل ترى الضؤ ابيض والغيم أبيض والهواء أبيض.ولا تسأل أين أنت لا احد حولك ولا تريد أن تعرف إلى أين تطير ولا تخاف الطيران كأنك صفة من صفات المسرة الكبرى منشورا على قطن الراحة الأبدية لا تخشى السقوط من علٍ،ولا تخشى الصعود إلى أعلى، فلا انخفاض ولا علو في اللا مكان الدائري هذا. لا تشبه نجمة خرجت عن مسارها وظلت تدور في المجرة ولا تتذكر متى خرجت من جسدك لأنك لا تتذكر انك كنت في جسد. اجتزت نفقا ضيقًا نقطك كقطرة ماء،في الأفق.هكذا خُلقتَ قبلك في هذا الفضاء الأبيض المنعش وعدت إلى أولك تنام ولا تعلم انك نائم ولا تحلم كأنَّ الحلم هو اختراع المحرومين من السكنى في هذه السماء كأنك روحكَ وقد أُعتقت من أسر الزمن والشكل وهامت وحامت وقامت إلى لا مستقر
... ثمَّ صرخت صرخت فجأة وعلمت فيما بعد أنّ صرخة الألم كانت دليل عودتك إلى الحياة التي تبدأ بصرخة وتنتهي بصرخة وسألت أين كنت إذًا؟ فقيل لك أن الموت قد اختطفك لمدة دقيقه ونصف الدقيقة
وإنَّ صدمة كهربائية قد أعادتك إلى الحياة.*
فأيُّ صدمةٍ قدريةٍ ستعيدك إلينا يا محمود كي يفهموا كل أولئك الذين سارعوا في تنميق الخطب وكلمات الرثاء انك لم ولن تموت؟؟؟ رغم أنهم أسهموا في موتك الوهمي!!!
وأي صدمة كونيه ستـنـزلك من معارج هذا الرحيل إلى حضن أمكَ ألطيبه لتأكل خبزها وتشرب قهوتها على أنغام أغنية قديمة من أغاني فيروز
ويا أيها الأبدي أيُّ قصيدة في هذا الكون تضاهي هذه القصيدة التي تكتبها بذاتك التي اختارت أن تلج إلى الموت قليلا كي تعود أكثر حياة إلى هذه الحياة!!!!
نزيه حسون ـ 2008 8 22
* في حضرة الغياب ـ محمود درويش
إلى محمود درويش"
نزيه حسون
قد يكون لبلاغة الصمت مهابة ووقارا أعظم أمام جلال صمتك البليغ
وقد يكون لصمتنا قداسة الصلاة، أمام صمتك الذي يتكلم بكل لغات الكون...وما جدوى حزمة حروف ننمقها حين تتلو الأرضُ والكواكب مراثيها؟؟؟ وترتل قلوبُ الناس كل الناس زفراتها...
و أي رثاء في الكون يمكن أن يصمد أمام دمعة ثكلى تذرفها فلسطين الجريحة على وجنة عريسها الأجمل وعاشقها السرمدي... وأي قصيدة لن تذبل حروفها حين ينهض الوطن ويلقي على جثمان محموده زهرة نرجس
وسبع سنابل خضراء لا تعرف الذبول
أمام رهبة رحيلك القاسي ترددت كثيراً أن أكتب عنك أيها المعطر بالقصائد والمعابد وطهر التراب... أيها المطر الفردوسي الذي تساقط على ثرى هذا الوطن شعرا... وترتيلا ... وأغان مبتلة بالروح والشجن...
ترددت كثيرا لان القصيدة الخالدة لا تُرثى ولان من ركب سفن المجاز إلى مرافئ الخلود لا يمكن أبدا أن نعده في عداد الراحلين...
ترددت أكثر أن اكتب عنك راحلاً وأنا أراك تنهض مع كل حرف أخطه ومن كل سطر اسكب فيه وجع القلب...حين تنسد الشرايين
ترددت كثيرا وأنا أراك شريان حياً يتدفق من أقصى هذا الوطن إلى أقصاه
يزرع الشعر والحب والنور في زمن العتمة والحقد والظلام، فأي شريان هذا الذي تفجر وأراد أن يتوقف نبضك عن الشعر والحب والنور فزادك بتفجره شعرا وحبا وبهاء
ويا أيها البهي
كل قلوب الناس شرايينك... فليسقطوا عنك هذا الرحيل
كل زهور الوطن تعطر حضورك الأبدي أيها الراحل إلى حضرة الأبد
كل عنادل الروابي المتماوجة من البروة حتى رام الله تهدل بقصائدك التي شكلت الخريطة الحقيقية لهذا الوطن
كل أطفال فلسطين عبر الأجيال القادمة سيهدون لأمهاتهم قصيدتك الخالدة احن إلى خبز أمي وسيرددون في مسامع الوطن سجل أنا عربي.
كل المدن التي عشقتها وعشقتكَ من حيفا إلى القاهرة ومن القاهرة إلى بيروت ومن بيروت إلى تونس ومن تونس إلى باريس ومن باريس إلى دمشق ومن دمشق إلى عمان ومن عمان إلى رام الله ومن رام الله إلى العشيقة الأبدية عروس فلسطين حيفا... فكيف يا محمود العربي لم تنهض من ركام الموت لتمسح دموع حيفا التي انهمرت حزنا على حرمانها من أن تحتضن جثمانك الحي....
ويا أيها الأبدي الذي علمنا أبجدية المعجزات... وواقعية الحلم والخروج من قيود الزمان والمكان أنت الذي عدت من الموت وكنت كما قلت:
"نطير وتطير كما لو كنت تسبح خفيفا شفيفا كأنك روحك خاليا من الماضي وخاويا من الحاضر مُفْرغًا من الزمن والعاطفة فلا أنت شئ ولا أنت لا شئ .لكنك ترى كما لم ترَ من قبل ترى الضؤ ابيض والغيم أبيض والهواء أبيض.ولا تسأل أين أنت لا احد حولك ولا تريد أن تعرف إلى أين تطير ولا تخاف الطيران كأنك صفة من صفات المسرة الكبرى منشورا على قطن الراحة الأبدية لا تخشى السقوط من علٍ،ولا تخشى الصعود إلى أعلى، فلا انخفاض ولا علو في اللا مكان الدائري هذا. لا تشبه نجمة خرجت عن مسارها وظلت تدور في المجرة ولا تتذكر متى خرجت من جسدك لأنك لا تتذكر انك كنت في جسد. اجتزت نفقا ضيقًا نقطك كقطرة ماء،في الأفق.هكذا خُلقتَ قبلك في هذا الفضاء الأبيض المنعش وعدت إلى أولك تنام ولا تعلم انك نائم ولا تحلم كأنَّ الحلم هو اختراع المحرومين من السكنى في هذه السماء كأنك روحكَ وقد أُعتقت من أسر الزمن والشكل وهامت وحامت وقامت إلى لا مستقر
... ثمَّ صرخت صرخت فجأة وعلمت فيما بعد أنّ صرخة الألم كانت دليل عودتك إلى الحياة التي تبدأ بصرخة وتنتهي بصرخة وسألت أين كنت إذًا؟ فقيل لك أن الموت قد اختطفك لمدة دقيقه ونصف الدقيقة
وإنَّ صدمة كهربائية قد أعادتك إلى الحياة.*
فأيُّ صدمةٍ قدريةٍ ستعيدك إلينا يا محمود كي يفهموا كل أولئك الذين سارعوا في تنميق الخطب وكلمات الرثاء انك لم ولن تموت؟؟؟ رغم أنهم أسهموا في موتك الوهمي!!!
وأي صدمة كونيه ستـنـزلك من معارج هذا الرحيل إلى حضن أمكَ ألطيبه لتأكل خبزها وتشرب قهوتها على أنغام أغنية قديمة من أغاني فيروز
ويا أيها الأبدي أيُّ قصيدة في هذا الكون تضاهي هذه القصيدة التي تكتبها بذاتك التي اختارت أن تلج إلى الموت قليلا كي تعود أكثر حياة إلى هذه الحياة!!!!
نزيه حسون ـ 2008 8 22
* في حضرة الغياب ـ محمود درويش